المرأة في التنمية والسلام – حنين الوحش

 

تعاظم مؤخرًا حضور المرأة اليمنية في القطاع الاقتصادي، حضور يتنامى يومًا تلو آخر، وتعيده الآراء في استطلاع ميداني قمنا به، إلى العاصفة المسلحة الدائرة في البلد، باعتباره حسنتها الوحيدة كما يشير أحدهم، إذ أن بقاء بعض الأسر دون عائل وانتفاء فرص العمل في ظل التدهور الاقتصادي الحاد، الذي أوجد لدى قطاع واسع من المجتمع مساحة تفكير جديدة وإيمان لا يلبث أن يرسخ بشأن أهمية حضور المرأة إلى جانب الرجل في الاعتناء بالأسرة وتحسين وضعها الاقتصادي.

وينتصر هذا الاعتقاد الجديد لقطاع كبير من النساء، اللاتي وجدن أنفسهن في سوق العمل، وهو أمر يبدو مقبولًا اليوم للجيل القديم نفسه رغم ما ظل يحمله من أفكار واعتقادات وعادات مغلوطة تصم عمل المرأة بالعيب.

تشير ليلى مراد وهي سيدة أعمال يمنية مقيمة في الخليج أنها بدأت مشروعها في اليمن قبل سنتين من الصراع المسلح أي في العام2013م عدا أنها لاقت معارضة كبيرة من أسرتها دفعها للتوقف، غير أن فقدان ذكور الأسرة لأشغالهم في العام الأول من النزاع أعطاها فرصة لإقناعهم بأهمية نشاطها التجاري وهو ما تقبلته الأسرة بالتدريج.

وتقول: “بدأن النساء في العمل لدى المنظمات بأجر مجزي وبأعمال مكتبية تحترم قدراتها ومعارفها وأخريات بالقطاع الخاص وحققن نجاحًا كبيرًا، وكان سهلا عليّ إيجاد النماذج التي اعتد بها في تغيير قناعات الأسرة”.

اسناد الرجل

تمتلك يسرى الشرعبي، متجرًا لبيع الحلويات وسط مدينة تعز، تبين إنه حقق عائدًا جيدًا لإعالة أسرتها وتحسين ظرفها الاقتصادي إلى جانب زوجها الذي يعمل مدرسًا في مدرسة خاصة بأجر زهيد.

وتقول: “استطعت من خلال متجري أن أوفر فرص عمل لأبنائي الثلاثة الذين يعملون معي في ذات المحل بالتناوب بعد عودتهم من المدرسة وبعد الانتهاء من مراجعة والدهم لدروسهم اليومية”.

وتضيف: “كانت ابنتي الكبرى تخشى من ضعف امكانيات دعمها للالتحاق بالتعليم الجامعي لدى إحدى الجامعات الخاصة بعد عدم تمكنها من اجتياز امتحانات القبول لدى الجامعة الحكومية، وهي اليوم الأولى على مستوى دفعتها ونخصص قدرا من أرباح المتجر للوفاء بالتزاماتنا المالية السنوية لجامعتها الخاصة كرسوم مقعدها الدراسي”.

اختراع الفرص

تجتهد سيدات الأعمال اليمنيات في إيجاد الفرص ومقاومة حالة الركود الاقتصادي الذي يعيشه البلد في ظل أجواء ملبدة بالصراع والعنف، والسطو الذكوري على المشهد.

في هذا السياق تقول أروى سعد: “زوجي مغترب في السعودية، ويبعث شهريًا بجزء كبير من راتبه لإعالة أطفالنا وتجميع ما بقي منه لصرفها في الأشهر التي يعود فيها، غير أن ظروف الصراع وتدهور أوضاع المغتربين حالت دون عودته من سنتين وهو ما وفر لنا مبلغ جيد لتنفيذ مشروع خاص بنا”.

وتتابع: ” حاولت في البدء أن أعمل متجر صغير لبيع المواد الغذائية وكنت أعمل فيه قبل أن استقدم موظف براتب شهري غير أن سيطرة الذكور على غالبية متاجر ومحلات البيع في الجملة أوجد أمامي صعوبات كثيرة للنهوض بالمشروع وتضاءلت فرص الربح إلى أن قررت بيع المتجر”.

استطاعت أروى أن تقنع زوجها بفكرة انشاء مدرسة أهلية (خاصة)، إذ تقول: ” عارض زوجي الفكرة في البداية غير أنني أخبرته أن هذا المشروع حقق نجاحًا كبيرًا لبعض زميلاتي في الجامعة، وأكدت له ذلك من خلال اطلاعه على مراسلاتي معهن”.

استأجرت أروى مبنى سكني في الحي الذي تقيم فيه مزودًا بباحة ومقسمًا هندسيًا بما يجعله صالحا لتنفيذ المشروع، وتقول: ” ظروف المكان واقبال الطلبة مكنني خلال عام واحد من افتتاح فرع آخر للمدرسة في الحي المجاور”.

أصبحت أروى واحدة من سيدات الأعمال في اليمن، وهي تؤكد أن الفضل في ذلك بعد تشجيع زوجها لها هو قدرتها على اختراع الفرصة من العدم، وهو السبب ذاته في نظرها وراء النجاح الذي حققته غالبية سيدات الأعمال في مدينتها”.

 سيدات أعمال يمنيات يتصدرن العالمية

حققت سيدات الأعمال في اليمن نجاحًا كبيرًا أوصل بعضهن إلى العالمية، كحال السيدة نجاة جمعان، الحاصلة على دكتوراة في إدارة الأعمال من جامعة قناة السويس بجمهورية مصر العربية. وقد دفعتها خبرتها المالية إلى الترشح بمرسوم رئاسي كنائبة عميد المعهد المالي بوزارة المالية، كما عينت عميدة كلية التجارة والاقتصاد، ومن ثم مديرة تنفيذية لصندوق الفرص الاقتصادية.

وفازت جمعان في العام 2019 بمنحة مؤسسة التمويل الدولية من بين عشرين سيدة أعمال تختارهن المؤسسة على مستوى العالم.

وقالت أمة العليم السوسة مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، حينها، أن اختيار المؤسسة الدولية لليمنية نجاة جمعان ضمن أهم 20 سيدة من سيدات الأعمال في العالم يأتي لدورهن الريادي في المساواة والعمل التجاري الحر.

وبحسب مواقع إخبارية وأخرى اقتصادية فإن السيدة جمعان تعمل أستاذة متفرغة في كلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء، وعملت في مجالها لأكثر من 25 سنة، وشغلت العديد من المناصب، مثل أستاذة الإدارة في الجامعة، ونائبة المدير العام في شركة جمعان، ونائبة عميد المعهد المالي في وزارة المالية.

رفد الاقتصاد الوطني

تقول سيدة الأعمال ليلى مراد: “أن ضعف تمويلات القطاع العام في اليمن شكل عائقًا كبيرًا أمام بروز وجوه جديدة من سيدات الأعمال في اليمن رغم أهميتهن في تحريك الراكد من الاقتصاد الوطني.

وتدعو الفاعلين الاقتصاديين في اليمن إلى منح سيدات الأعمال تمويلات ومنح تعزز من نجاح مشروعاتهن الاقتصادية والذي ينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني فضلا عما يوجده من فرص عمل لقطاع كبير من الشباب والشابات.

وكان رئيس مصلحة الضرائب عبد الجبار أحمد محمد في صنعاء قد أكد على الدور المهم الذي تضطلع به سيدات الأعمال في دعم وإنعاش الاقتصاد الوطني.

وأشار في لقاء، ضم الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية واللجنة الوطنية للمرأة وإدارة سيدات الأعمال الحرص على تعزيز أواصر الشراكة بين المصلحة وسيدات الأعمال، وعن موضوع الإعفاءات الضريبية للمشاريع الصغيرة والأصغر وحرص المصلحة على دعم سيدات الأعمال ممن شملهن قانون الإعفاءات ومنحهن شهادات الإعفاء بسهولة.

غير أن عدد كبير من سيدات الأعمال اللاتي قابلنهن أكدن تعنت القطاع العام في مسألة تحصيل الرسوم كالضرائب وغيرها، والتي تضاعفت خلال السنوات الأخيرة وتسببت في شل وتعطيل كثير من الأنشطة التجارية للنساء، كما وضع عدد من المشاريع في الهامش.