المرأة في التنمية والسلام – ياسمين عبدالحفيظ

تواجه المرأة اليمنية العاملة في الإعلام العديد من التحديات، أبرزها عدم المساواة بين الجنسين في الوسائل الإعلامية المختلفة؛ وهذا الأمر يقلل من مشاركتها في الإعلام، ويحصرها في مجالات محدودة ومناصب معينة.

فهناك العديد من الأسباب التي ساعدت في الوجود الضئيل للنساء في المؤسسات الإعلامية مقارنة بالذكور، منها أنّ ممارسة مهنة الإعلام في اليمن ما زالت حكرًا على الرجال، إلى جانب العادات والتقاليد، وافتقار التأهيل والتدريب في تلك الوسائل وغيرها.

وبحسب دراسة صادرة عن مركز الإعلام الاقتصادي في العام2017 م، حملت اسم (حضور المرأة في وسائل الإعلام اليمنية)؛ فقد أثبتت أنّ هناك وجودًا ضئيلًا للمرأة في القنوات التلفزيونية؛ إذ تشكّل9.7 %، في حين يشكل وجود الرجل في تلك الوسيلة90.3 %.

الدراسة أكّدت أنّ وجود المرأة في القنوات التلفزيونية كمقدمة برامج هي أعلى نسبة مقارنة بالوظائف الأخرى، وتشكل11.7 %، في حين يشكل الرجل في تقديم الأخبار والبرامج التلفزيونية في القنوات اليمنية نسبة 20.9 %.

وأثبتت الدراسة نفسها أنّ نسبة وجود المرأة في القنوات التلفزيونية كمراسلة ميدانية تشكل 4.4 %، في حين يشكل الرجال نسبة 30.6 %.

وجاء في الدراسة أنّ نسبة مشاركة المرأة في إنتاج الأخبار والبرامج التلفزيونية في القنوات اليمنية بنسبة 1.6 %، ونسبة وجود الرجل في هذا المجال يشكل نسبة 18.6%.

وجاء في الدراسة التي استهدفت سبع قنوات يمنية، وهي: قناة بلقيس، والسعيدة، ويمن شباب، واليمن اليوم، وحضرموت، وقنوات يمنية أخرى، أنّ المرأة تغيب تمامًا في مجال إعداد البرامج والأخبار، أمّا الرجل فإنّ نسبة مشاركته في هذه الجوانب 12.2 %.

النوع الاجتماعي في المجال الإعلامي

يقول أستاذ الإعلام في جامعة قطر عبد الرحمن الشامي: “إنّ المرأة اليمنية قطعت مشوارًا يعتدُّ به؛ من خلال التحاقها بعدد من المؤسسات الإعلامية اليمنية، وفي مختلف الوظائف، ولكن لا يزال أمامها كثير من العراقيل والقيود التي تحول دون نيلها حقوقها في هذا المجال”.

مؤكّدًا أنّ وجود المرأة اليمنية في المؤسسات الإعلامية يمثل إضافة مهمة للتعاطي مع الموضوعات والقضايا التي تهمّ المرأة اليمنية، ودون وجودها في هذه المجالات تغيب هذه الموضوعات إلى حدٍّ كبير؛ فحضور الفاعلين والمهتمين والمناصرين والمنتمين إلى القضايا يمثل دورًا حيويًّا في تناولها.

ويتابع: “والعكس صحيح؛ إذ تغيب هذه القضايا، حين يغيب هؤلاء الفاعلون، أو يغيّبون عن صناعة القرار أو المشاركة فيه”.

ويرى أنّ هناك العديد من التحديات التي تواجه المرأة اليمنية، سواء في مجال التوظيف، أو شغل المناصب القيادية، أو التعامل معها جراء الموروث الاجتماعي الثقافي الذي ينتقص -أحيانًا- من شأن المرأة، وأبرز الحلول تتمثل في مواصلة المرأة ومَن يناصر قضاياها وحقوقها الكفاحَ والنضالَ من أجل نيل حقوقها.

من جهته يقول أكاديمي -فضّل عدم ذكر اسمه-: “إنّ أدوار المرأة يجب أن تتكافأ مع أدوار الرجل في المجال الإعلامي أو غيره، ولتسليط الضوء على المجال الإعلامي أكثر يتضح أنّ أدوار المرأة قليلة ومحدودة جدًّا؛ إذ إنّ المستويات القيادية العليا في مجال الإعلام حكرٌ للذكور، خاصة العمل الميداني، والتغطيات الإعلامية، وعمل المراسلين.

ويرى أنّ أعمال المرأة في المؤسسات الإعلامية اليمنية من مقروءة ومرئية ومسموعة تقتصر على الأعمال المكتبية، أو العمل من بيتها في عصر الصحافة الإلكترونية.

مؤكّدًا: “نحن نحتاج إلى إعادة توصيف الأدوار والوظائف المهنية ليس على أساس المرأة والذكر، فهذا التقسيم عبثي وبدائي، والأصل أن يكون التكافؤ هو الأساس. والوظائف والمهام والمسؤوليات تعتمد على الكفاءة والقدرة والمهنية، وليس على أساس المرأة أو الرجل”.

من جهته يقول بسام غبر (صحفي ومدرب إعلامي): “حتى نقدّم توصيفًا حقيقيًّا لأدوار النوع الاجتماعي في المؤسسات الإعلامية، لا يمكن أن يكون بمعزل عن الرويّة أو النظرة الكبيرة للمجتمع بشكل عام، وبالتأكيد المجتمع اليمني له تصنيف معين عن النوع الاجتماعي، خاصة للمرأة، وهذا انعكس على المؤسسات الإعلامية”.

ويُضيف: “أنّ المجتمع قام بتحديد أدوار محددة للمرأة؛ كأن تقوم بتغطية مواضيع معينة، مثل قضايا المرأة والطفل، أو حصرها في مجالات معينة؛ إيمانًا منه بأنّ مثل هذه المواضيع لا يصلح لمناقشتها إلَّا المرأة، أو بأنّ المرأة لا تصلح بأن تقوم بتغطية بعض القضايا، كذلك ينعكس بموضوع الإدارات وقيادة كثير من المؤسسات الإعلامية”.

ويؤكد غبر أنّ العديد من المؤسسات الإعلامية لا تمكِّن المرأة من مراكز صنع القرار، وبالتالي هذه المؤسسات لا يكون فيها توازن جندري يُمنح بشكل متوازن، وأنّ أدوار النوع الاجتماعي في المؤسسات الإعلامية ما زالت متراجعة؛ بسبب الثقافة الذكورية التي تسود المجتمع.

ويرى غبر أنّ أبرز التحديات هي الثقافة الذكورية المتوارثة والسائدة، بمعنى التنميط الحاصل بأنّها تقوم بأدوار محددة في التغطية، أو مثلًا في أن تكون مسؤولة في إدارة المرأة والطفل، ومن التحديات أنّها لا تصل إلى مناصب صنع القرار في المؤسسات الإعلامية.

ويتابع: “كذلك من التحديات التي تواجهها المرأة العاملة في المؤسسات الإعلامية اختلاف بعض الأجور، فهناك العديد من الحالات التي رصدت في هذا المجال بأنّ المرأة العاملة في المؤسسات الإعلامية لا تمنح أجورًا متكافئة بينها وبين الرجل، وقد يكون نفس العمل الذي يقوم به الصحفيون الذكور يتقاضون أكثر من المرأة الصحفية”.

وبخصوص الحلول الممكنة لمعالجة قضايا النوع الاجتماعي داخل المؤسسات الإعلامية اليمنية يقول غبر: “إنّ كثيرًا من المؤسسات تسعى إلى محاولة خلق فرص كثيرة تمكّن المرأة الصحفية من مزاولة مهامها، وتمكّنها من صنع القرار في المؤسسات الإعلامية”.

مشيرًا في حديثه إلى أنّ العديد من الجهات عملت على تمكين النساء من تأسيس مشاريع خاصة بهنّ في المجال الإعلامي، وبالتالي هذا يخلق توجهًا جديدًا للعمل الصحفي، تكون فيه المرأة هي صانعة القرار، إضافة إلى تأهيل الصحفيات، وممارسة عملهنّ على أكمل وجه، وهذا سيمكّن المرأة الصحفية بأنْ تكون ماهرة ومحترفة، مضيفًا: “بالإضافة إلى خلق توعية في المجتمع عمومًا، والمؤسسات الإعلامية خصوصًا، بالأدوار الإيجابية للمرأة في تلك المؤسسات”.

يتفق مختصّون في مجال النوع الاجتماعي أنّ النوع الاجتماعي في المؤسسات الإعلامية ضعيف جدًّا، ويفتقر إلى مقومات المشاركة الفاعلة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والإعلامية، وهذا يعود إلى عدم وجود حركة نسائية نشطة، وعدم وجود برامج تشارك فيها المرأة.

قوانين تكفل للمرأة المشاركة في الجانب الإعلامي

تنص المادة رقم (15) من القرار الجمهوري رقم (95) لسنة 1998م الخاص بـلائحة وزارة الإعلام، على الآتي:

“على الإدارة العامة لشئون الموظفين إعداد مشروع القوى العاملة والأجور للوزارة؛ طبقًا لاحتياجات العمل وبرنامج التنمية، بالتنسيق مع المختصين في الوزارة، ومعالجة قضايا الموظفين؛ من تعيين وتدريب وإجازات ونقل وندب وإعارة وتقاعد وتأمينات اجتماعية، وغيرها من الحالات، ومستحقات الخدمة، طبقًا للقوانين والنظم النافذة، ومتابعة إنجازها مع الجهات المختصة”.

ونصَّ البند (9) من هذه المادة على الآتي: “رعاية الموظفين، وتنمية علاقات العمل والعلاقات الإنسانية داخل الوزارة؛ بما يؤدّي إلى رفع الروح المعنوية وانسجام علاقات العمل”.

وجاء في الفقرة (10) “تحديد الواجبات الأساسية للعاملين، وتطبيق النظم المتصلة بالضبط الإداري”.

وفي الفقرة (11) “معالجة أي قضايا متعلقة بالعاملين بالوزارة”.

من جهة أخرى تناول الفصل الأول من الباب الرابع في قانون العمل اليمني تنظيم عمل النساء بالآتي:

مادة (42) “تتساوى المرأة مع الرجل في كافة شروط العمل وحقوقه وواجباته وعلاقاته دون أيّ تمييز، كما يجب تحقيق التكافؤ بينها وبين الرجل في الاستخدام والترقي والأجور والتدريب والتأهيل والتأمينات الاجتماعية، ولا يعدُّ في حكم التمييز ما تقتضيه مواصفات العمل أو المهنة”.

وجاء في المادة (43) من نفس القانون: “1- تحدد ساعات عمل المرأة اليومية بخمس ساعات إذا كانت حاملًا في شهرها السادس، أو إذا كانت مرضعًا حتى نهاية الشهر السادس، ويجوز تخفيض هذه المدة لأسباب صحية بناء على تقرير طبي معتمد. 2- يبدأ احتساب ساعات عمل المرأة المرضع منذ اليوم التالي لانقضاء إجازة الوضع وحتى نهاية الشهر السادس”.

وتنص المادة (44) على: “لا يجوز تشغيل المرأة ساعات عمل إضافية اعتبارًا من الشهر السادس للحمل، وخلال الستة الأشهر التالية لمباشرتها العمل، بعد تمتُّعها بإجازة الوضع”.

 والمادة (45) تنص على: “1- يحقّ للعاملة الحامل أن تحصل على إجازة وضع بأجر كامل؛ مدتها ستون يومًا. 2- لا يجوز بأيِّ حال من الأحوال تشغيل المرأة العاملة أثناء إجازة الوضع. 3- تعطى العاملة الحامل عشرين يومًا إضافية إلى الأيام المذكور في الفقرة (1)؛ وذلك في الحالتين الآتيتين: أ) إذا كانت الولادة متعسرة، ويثبت ذلك بقرار طبي. ب) إذا ولدت توأمًا”.

وجاء في المادة (46) الآتي: “أ) يحظر تشغيل النساء في الصناعات والأعمال الخطرة والشاقة والمضرة صحيًّا واجتماعيًّا، ويحدد بقرار من الوزير ما يعدُّ من الأعمال المحظورة طبقًا لهذه الفقرة. ب) لا يجوز تشغيل النساء ليلًا إلَّا في شهر رمضان، وفي تلك الأعمال التي تحدد بقرار من الوزير”.

أمّا المادة (47) فنصّت: “على صاحب العمل الذي يستخدم نساء في العمل أن يعلن في مكان ظاهر بمقر العمل عن نظام تشغيل النساء”.

اتفاقيات

نصت المادة (11) من اتفاقية (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) التي نشرت في موقع الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على الآتي: “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل؛ لكي تكفل لها -على أساس المساواة بين الرجل والمرأة- الحقوقَ نفسها، ولا سيّما: أ) الحق في العمل بوصفه حقًّا ثابتًا لجميع البشر. ب) الحق في التمتع بفرص العمالة نفسها، بما في ذلك، تطبيق معايير اختيار موحّدة في شؤون الاستخدام”.

وجاء في البند (ج): “الحقُّ في حرية اختيار المهنة ونوع العمل، والحقُّ في الترقية والأمن على العمل، وفي جميع مزايا الخدمة وشروطها، والحقُّ في تلقي التدريب وإعادة التدريب المهني، بما في ذلك التلمذة الحرفية، والتدريب المهني المتقدم، والتدريب المتكرر”.

البند (د) من الاتفاقية نصَّ على: “الحق في المساواة في الأجر، بما في ذلك الاستحقاقات، والحق في المساواة في المعاملة فيما يتعلق بالعمل ذي القيمة المساوية، وكذلك المساواة في المعاملة في تقييم نوعية العمل”.

أما البند (هـ) فينص على: “الحق في الضمان الاجتماعي، ولا سيما في حالات التقاعد والبطالة والمرض والعجز والشيخوخة، وغير ذلك من حالات عدم الأهلية للعمل، وكذلك الحق في إجازة مدفوعة الأجر”.

 والبند (و): “الحق في الوقاية الصحية وسلامة ظروف العمل، بما في ذلك حماية وظيفة الإنجاب”.

ونصت المادة2) ) من هذه الاتفاقية على: “توخيًّا لمنع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج أو الأمومة، وضمانًا لحقِّها الفعلي في العمل، تتخذ الدول الأطراف التدابير المناسبة:

أ) حظر الفصل من الخدمة بسبب الحمل أو إجازة الأمومة، والتمييز في الفصل من العمل على أساس الحالة الزوجية، مع فرض جزاءات على المخالفين.

ب) لإدخال نظام إجازة الأمومة المدفوعة الأجر، أو المشفوعة بمزايا اجتماعية مماثلة دون فقدان للعمل السابق أو للأقدمية أو للعلاوات الاجتماعية.

ج) لتشجيع توفير الخدمات الاجتماعية المساندة اللازمة لتمكين الوالدين من الجمع بين الالتزامات العائلية، وبين مسؤوليات العمل والمشاركة في الحياة العامة، ولا سيّما عن طريق تشجيع إنشاء وتنمية شبكة من مرافق رعاية الأطفال.

د) لتوفير حماية خاصة للمرأة أثناء فترة الحمل في الأعمال التي يثبت أنّها مؤذية لها”.

أمّا المادة (3) فجاء فيها: “يجب أن تستعرض التشريعات الوقائية المتصلة بالمسائل المشمولة بهذه المادة استعراضًا دوريًّا، في ضوء المعرفة العلمية والتكنولوجية، وأن يتم تنقيحها أو إلغاؤها أو توسيع نطاقها حسب الاقتضاء”.

 إنّ ضعف وجود المرأة في المؤسسات الإعلامية، خاصة بالمناصب القيادية، يعكس مدى تهميش المرأة في كثير من المجالات التي تعدُّ حكرًا للرجال، ومنها المجال الإعلامي، وإن بدأت النساء يفرضنَ وجودهنّ في كثير من الوسائل الإعلامية المختلفة؛ من مقروءة ومرئية ومسموعة، وفي وسائل الإعلام الجديد.

في السنوات الأخيرة اتّجهت كثير من النساء اليمنيات العاملات في المجال الإعلامي إلى إنشاء منصات لهنّ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأغلبها تديرها نساء، وتتناول قضايا المرأة المختلفة من نجاحات ومعاناة، وكل ما تعيشه في الواقع.

 كما ظهرت أسماء كثير من النساء؛ كصانعات محتوى، ومؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي، منهنّ إعلاميات وصحفيات لم يجدنَ فرصًا مناسبة لهنّ في المؤسسات الإعلامية، وحققت لهنّ منصات التواصل الاجتماعي نجاحات انطلقت كثير منهنّ عبرها إلى التلفزيون.

إنّ غياب الكوادر النسائية في المناصب القيادية يؤثر سلبًا على تناول قضايا المرأة، فكيف لمؤسسات إعلامية يسيطر على أغلب مناصبها رجال أن تكون لهم رؤية كافية حول أهم الجوانب التي تخص المرأة، وما الضروري الذي يجب تناوله إعلاميًّا؟!